فصل: من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة النازعات 79:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالنازعات غرقاً} (1) النجوم تنزع تطلع ثم تغيب فيه وهى.
{الناشطات نَشْطاً} (2) كالحمار الناشط ينشط من بلد إلى بلد والهموم تنشط صاحبها قال هميان بن قحافة:
أمست همومى تنشط المناشطا ** الشّام بي طورا وطورا واسطا

[927].
{وَالسابحات سَبْحاً} (3) هي أيضا النجوم {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (21/ 33)..
{فالمدبرات أَمْراً} (5)..
{يوم ترجف الراجفة} (6) أي القيامة..
{تَتْبَعُهَا الرادفة} (7) كل شيء بعد شيء يردفه فهو الرادفة الصيحة الثانية..
{أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} (10) من حيث جئنا، كما قال: رجع فلان في حافرته من حيث جاء وعلى حافرته من حيث جاء.
{ناخرة} (11) ونخرة سواء عظم نخر بال.
{الساهرة} (14) الفلاة ووجه الأرض قال أميّة بن أبى الصّلت:
وفيها لحم ساهرة وبحر ** وما فاهوا به لهم مقيم

[928] أي تكلموا..
{الْمُقَدَّسِ} (16) المبارك..
{طوى} (16) وطوى مضمومة ومكسورة فمن لم ينوّن جعله اسما مؤنثا ومن نوّن جعله ثنى طوى جعله مرتين مصدر قال عدىّ بن زيد العبادىّ:
أعاذل إن اللوم في غير كنهه ** على طوى من غيّك المتردّد

(285) وبعضهم يقول: طوى وبعضهم يقول: ثنى..
{أَغْطَشَ لَيْلَها} (29) أظلم وكل أغطش لا يبصر..
{وَأَخْرَجَ ضُحاها} (29) ضوءها بالنهار..
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دحاها} (30) بسطها، يقول: دحوت ودحيت..
{أَيَّانَ مُرْساها} (42) مرساها منتهاها، مرسى السفينة حيث تنتهى. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها النازعات:

.[النازعات: الآيات 13- 14]

{فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}.
قوله سبحانه: {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [13، 14] وهذه استعارة. لأن المراد بالساهرة هاهنا- على ما قال المفسرون واللّه أعلم- الأرض.
قالوا إنما سمّيت ساهرة على مثال: عيشة راضية. كأنه جاء على النسب: ذات السّهر وهى الأرض المخوفة. أي يسهر في ليلها، خوفا من طوارق شرّها. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة النازعات:
{والنازعات غرقاً والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا}. الذي أختاره أن هذه الأقسام بالكواكب الدوارة في الفضاء، تشق طريقها بغير وقود وتسرع السير بغير توقف وتعرف الطريق بغير جندى مرور، ثم يجيئها أجلها مع نهاية العالم، فإذا هي تتلاشى! متى؟ {يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة}. في الزلزال الكبير الذي يفقد كل شيء توازنه، وتترادف مزعجاته فإذا القلوب مضطربة والأبصار كسيرة! يقول المشركون عند سماع هذا النذير {أئنا لمردودون في الحافرة}. أراجعون نحن إلى الطريق التي جئنا منها؟ أعائدون إلى الحياة مرة أخرى؟! هكذا يحدثنا الرسول! ومتى؟ بعد أن نموت ونبلى {تلك إذا كرة خاسرة}! عودة لا خير فيها لأننا ما صدقناها ولا أعددنا لها..
{فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة}. بساعة الحشر والجزاء. إن أتباع الفلسفة المادية المعاصرين لا يزيدون على مشركى الصحراء الأقدمين عندما يقولون: إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر! فما الموقف إذا رأوا أنفسهم أحياء لم يصبهم شيء واستتلت الآيات تتحدث عن فرعون، وهو من أكابر المجرمين. والحق أن الفرعنة مرض عام أساسه بطر الحق وغمص الناس. وقد يكون في الحكام والإداريين والفنانين والكناسين. والمرء إذا ذهب بنفسه عاش أنانيا جائرا لا يحق حقا ولا يبطل باطلا. وجهنم تأخذ حطبها من هؤلاء جميعا. ويخاطب القرآن البشر: علام الكبر والصد عن سبيل الله؟ {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها...}.
إن الإنسان- بالنسبة إلى غيره- كائن ضعيف ما يجوز له أن يعمى ويطغى. بل يجب أن يتقى ربه ويتزكى. وإذا كان قد ملك التصرف في كائنات أخرى، فليسخر هذا التفوق في شكر الله وأداء حقوقه. وعادت السورة إلى ما بدأت به من حديث عن البعث والجزاء ليجعل الإنسان من حياته الأولى مهادا للحياة الأخرى {فإذا جاءت الطآمة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى} إن الناس يومئذ رجلان: عبد لشهواته يعيش لإشباعها، وعبد لله يشعر بقيامه ورقابته فلا ينسى حقه {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}. ويجمح التطلع والاستخفاف بأصحابهما فيتساءلون عن الساعة {أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها}. إن علمها عند الله وحده، وما ينفعكم العلم بها إذا لم تستعدوا لها؟ إن الوجود موصول، والموت فاصل خفيف بين الوجودين الأول والأخير، وسنعرف قيمة الدنيا يوم اللقاء {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.تفسير الآيات (1- 14):

قوله تعالى: {وَالنازعات غرقاً (1) وَالناشطات نَشْطًا (2) وَالسابحات سَبْحًا (3) فالسابقات سَبْقًا (4) فالمدبرات أَمْرًا (5) يوم ترجف الراجفة (6) تَتْبَعُهَا الرادفة (7) قُلُوبٌ يومئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خاشِعة (9) يَقولونَ أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة (10) أَإذَا كُنَّا عِظَامًا نخرة (11) قالوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خاسِرة (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
(بسم الله) الظاهر الباطن الملك العلام (الرحمن) الذيي عم بالإنعام (الرحيم) الذي خص أهل ولايته بالتمام، فاختصوا بالإكرام في دار السلام.
لما ذكر سبحانه يوم يقوم الروح ويتمنى الكافر العدم، أقسم أول هذه بنزع الأرواح على الوجه الذي ذكره بأيدي الملائكة عليهم السلام على ما يتأثر عنه من البعث وساقه على وجه التأكيد بالقسم لأنهم به مكذبون فقال تعالى: {والنازعات} أي من الملائكة- كما قال على وابن عباس رضى الله عنهم- للأرواح ولأنفسها من مراكزها في السماوات امتثالاً للأوامر الإليهة {غرقاً} أي إغراقاً بقوة شديدة تغلغلاً إلى أقصى المراد من كل شيء من البدن حتى الشعر والظفر والعظم كما يغرق النازع في القوس فيبلغ أقصى المدّ، وكان ذلك لنفوس الكفار والعصاة كما ينزع السفود وهو الحديدة المتشعبة المتعاكسة الشعب من الصوف المبلول، وعم ابن جرير كما هي عادته في كل ما يحتمله اللفظ فقال: والصواب أن يقال: إن الله تعالى لم يخصص، فكل نازعة داخلة في قسمه- يعني الاعتبار بما آتاها الله من القدرة على ذلك النزع الدالة على تمام الحكمة والاقتدار على ما يريده سبحانه.
ولما ذكر الشد مبتدئاً به لأنه أهول، أتبعه الرفق فقال: {والناشطات} أي المخرجات برفق للأرواح أو لأجنحتها من محالها {نشطاً} أي رفقاً فلا تدع وإن كان رفيقاً بين الروح والجسد تعلقاً كما ينشط الشيء من العقال أي يحل من عروة كانت عقدت على هيئة الأنشوطة، قال الفراء إنه سمع العرب يقولون: نشطت العقال- إذا حللته، وأنشطت- إذا عقدت بأنشوطة- انتهى.
والنشط أيضاً: الجذب والنزع، يقال: نشطت الدلو نشطاً- إذا نزعتها.
وقال الخليل: النشط والإنشاط مدك الشيء إلى نفسك حتى ينحل، وكان هذا الأرواح أهل الطاعة، وكذلك نزع النبات والإنساء والإنماء لكل ما يراد نزعه أو نشطه، فالذي قدر بعض عبيده على هذا الذي فيه تمييز الأرواح من غيرها على ما لها من اللطافة وشدة الممازجة قادر على تمييز جسد كل ذي روح من جسد غيره بعد أن صار كل تراباً واختلط بتراب الآخر.
ولما ذكر نوعي السل بالشدة والرفق، ذكر فعلها في إقبالها إليه ورجوعها عنه فقال: {والسابحات} أي من الملائكة أيضاً في الجو بعد التهيؤ للطيران إلى ما أمرهم الله به من أوامره من الروح أو غيرها {سبحاً} هو في غاية السرعة لأنه لا عائق لها بل قد أقدرها الله على النفوذ في كل شيء كما أقدر السابح في الماء والهواء، ولذلك نسق عليه بالفاء قوله: {فالسابقات} أي بعد السبح في الطيران إلى ما أمروا به من غمس الأرواح في النعيم أو الجحيم أو غير ذلك مما أمروا به في أسرع من اللمح مع القدرة والغلبة لجميع ما يقع محاولته {سبقاً}.
ولما بان بذلك حسن امثتالها للأوامر، بان به عظيم نظرها في العواقب فدل على ذلك بالفاء في قوله: {فالمدبرات} أي الناظرات في أدبار الأمور وعواقبها لإتقان ما أمروا به في الأرواح وغيرها {أمراً} أي عظيماً، ويصح أن يكون للشمس والقمر والكواكب والرياح والخيل السابحة في الأرض والجو لمنفعة العباد وتدبير أمورهم، وبعضها سابق لبعض، وبه قال بعض المفسرين، والجواب محذوف إشارة إلى أنه من ظهور العلم به- بدلالة ما قبله وما بعده عليه- في حد لا مزيد عليه، فهو بحيث لا يحتاج إلى ذكره فحذفه كإثباته بالبرهان فتقديره: لتذهبن بالدنيا التي أنتم بها مغترون لنزعنا لها من حالها وتقطيع أوصالها، فإن كل ما تقدم من أعمال ملائكتنا هو من مقدمات ذلك تكذيباً لقول الكفار {ما هي إلا حياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24] المشار إليه بتساؤلهم عنها لأنه على وجه الاستهزاء والتكذيب ولتقومن الساعة؟ أو أنكم لمبعوثون بعد الموت وانتهاء هذه الدار؟ ثم لمجازون بما عملتم بأسباب موجودة مهيأة بين أظهركم دبرناها وأوجدناها حين أوجبنا هذه الحياة الدنيا وإن كنتم لا ترونها كما أن هذه الأمور التي أخبرناكم بها في نزع الأرواح والنبات والمنافع موجودة بين أظهركم والميت أقرب ما يكون منكم وهي تعمل أعمالها.
والمحتضر أشد ما يكون صوتاً وأعظمه حركة إذا هو قد خفت وهمد بعد ذلك الأمر وسكت وامتدت أعضاؤه ومات، وذهب عنكم قهراً وفات الذي فات كأنه قط ما كان، ولا تغلب في زمن من الأزمان، بتلك الأسباب التي تعمل أعمالها وتمد حبالها وترسي أثقالها، وتلقي أهوالها وأوجالها، وأنتم لا ترونها، فيالله العجب أن لا يردكم ذلك على كثرته عن أن تستبعدوا على قدرته تمييز تراب جسد من تراب جسد آخر.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أوضحت سورة النبأ حال الكافر في قوله: {يا ليتني كنت تراباً} [النبأ: 40] عند نظره ما قدمت يداه، ومعانيته من العذاب عظيم ما يراه، وبعد ذكر تفصيل أحوال وأهوال، أتبع ذلك ما قد كان حاله عليه في دنياه من استبعاد عودته في أخراه، وذكر قرب ذلك عليه سبحانه كما قال في الموضع الآخر {وهو أهون عليه} [الروم: 27] وذلك بالنظر إلينا ولما عهدناه، وإلا فليس عنده سبحانه شيء أهون من شيء {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} [يس: 82] فقال تعالى: {والنازعات غرقاً} [النازعات: 1] إلى قوله: {يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاماً نخرة} [النازعات: 10- 11] إذ يستبعدون ذلك ويستدفعونه {فإنما هي زجرة واحدة} [النازعات: 13] أي صحية {فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 14] أي الأرض قياماً ينظرون ما قدمت أيديهم ويتمنون أن لو كانوا تراباً ولا ينفعهم ذلك، ثم ذكر تعالى من قصة فرعون وطغيانه ما يناسب الحال في قصد الاتعاظ والاعتبار، ولهذا أتبع القصة بقوله سبحانه: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} [النازعات: 26] انتهى.
ولما أقسم على القيام بتلك الأفعال العظام التي ما أقدر أهلها عليها إلا الملك العلام.
ذكر ما يكون فيه من الأعلام تهويلاً لأمر الساعة لأن النفوس المحسوسات نزاعة، فالغائبات عندها منسية مضاعة فقال ناصباً الظرف بذلك المحذوف لأنه لشدة وضوحه كالملفوظ به: {يوم ترجف} أي تضطرب اضطراباً كبيراً مزعجاً {الراجفة} أي الصيحة، وهي النفخة الأولى التي هي بحيث يبلغ- من شدة إرجافها للقلوب وجميع الأشياء الساكنة من الأرض والجبال إلى نزع النفوس من جميع أهل الأرض- مبلغاً تستحق به أن توصف بالعراقة في الرجف، قال البغوي: وأصل الرجفة الصوت والحركة.
ولما ذكر الصيحة الأولى، أتبعها الثانية حالاً منها دلالة على قربها قرباً معنوياً لتحقق الوقوع، ولأن ذلك كله في حكم يوم واحد، فصح مجيء الحال وإن بعد زمنه من زمن صاحبه فقال: {تتبعها الرادفة} أي الصيحة التابعة لها التي يقوم بها جميع الأموات وتجتمع الرفات، وتضطرب من هولها الأرض والسماوات، وتدك الجبال ويعظم الزلزال، ويكون عنها التسيير بعد المصير إلى الكثيب المهيل، ونحو ذلك من الأمر الشديد الطويل، قال حمزة الكرماني: روى السدي عن أبي هريرة رضى الله عنه أن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى أمطر عليهم ماء من تحت العرش يدعى ماء الحياة فينبتون منه كما ينبت الزرع من الماء، حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيها الروح ثم يلقى عليهم نومة فبينما هم في قبورهم نفخ في الصور ثانية فجلسوا وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم.
ولما ذكر البعث، ذكر حال المكذب به لأن السياق له، فقال مبتدئاً بنكرة موصوفة: {قلوب يومئذ} أي إذ قام الخلائق بالصيحة التابعة للأولى {واجفة} أي شديدة الاضطراب أجوافها خوفاً تكاد تخرج منها من شدة الوجيف، ولما وصفها بالاضطراب، وكان قد يخفى سببه لكونه قد يكون عند السرور العظيم كما قد يكون عند الوجل الشديد، أخبر عنه بما يحقق معناه فقال: {أبصارها} أي أبصار أصحابها فهو من الاستخدام {خاشعة} أي ذليلة ظاهر عليها الذل واضطراب القلوب من سوء الحال ولذلك أضافها إليها.
ولما وصفها بالاضطراب والذل، علله ليعرف منه أن من يقول ضد قولهم يكون له ضد وصفهم من الثبات والسكون والعز الظاهر فقال: {يقولون} أي في الدنيا قولاً يجددونه كل وقت من غير خوف ولا استحياء استهزاءً وإنكاراً.
{أإنا لمردودون} أي بعد الموت ممن يتصف بردنا كائنا من كان {في الحافرة} أي في الحياة التي كنا فيها قبل الموت هي حالتنا الأولى، من قولهم: رجع فلان في حافرته، أي طريقته التي جاء بها فحفرها أي أثر فيها بمشيه كما تؤثر الأقدام، والحوافر في الطرق، أطلق على المفعولة فاعلة مبالغة وذلك حقيقته، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم رجع إليه: رجع إلى حافرته، وقيل: الحافرة الأرض التي هي محل الحوافر.
ولما وصف قلوبهم بهذا الإنكار الذي ينبغي لصاحبه أن يذوب منه خجلاً إذا فرط منه مرة واحدة، وأشار إلى شدة وقاحتهم بتكريره، أتبعه التصريح بتكريرهم له على وجه مشير إلى العلة الحاملة لهم على قوله وهو قولهم: {أإذا كنا} أي كوناً صار جبلة لنا {عظاماً نخرة} أي هي في غاية الانتخار حتى تفتتت، فكان الانتخار وهو البلى والتفتت والتمزق كأنه طبع لها طبعت عليه، وهي أصلب البدن فكيف بما عداها من الجسم، وعلى قراءة {ناخرة} المعنى أنها خلا ما فيها فصار الهواء ينخر فيها أي يصوّت.
ولما كان العامل في (إذا) مقدراً بنحو أن يقال: نرد إذ ذاك إلى حالتنا الأولى ونقوم كما كنا؟ دل على هذا المحذوف قوله تعالى عنهم: {قالوا} أي مرة من المرات: {تلك} أي الردة إلى الحالة الأولى العجيبة جدًّا البعيدة من العقل في زعمهم {إذاً} أي إذ نرد إلى حياتنا الأولى لا شيء لنا كما ولدنا لا شيء لنا، ونفقد كل ما سعينا في تحصيله وجمعه وتأثيله {كرة} أي رجعة وإعادة وعطفة {خاسرة} أي هي لشدة خسارتنا فيها بما فقدنا مما حصلناه من الحال والمآل وصالح الخلال، عريقة في الخسارة حتى كأنها هي الخاسرة، ولعله عبر بالماضي لأنهم ما سمحوا بهذا القول إلا مرة من الدهر، وأما أغلب قولهم فكان أنهم يكونون على تقدير البعث أسعد من المؤمنين على قياس ما هم عليه في الدنيا ونحو هذا من الكذب على الله.
ولما كان التقدير: نعم والله لتردن يا هؤلاء، إنما هذا الذي تقولونه كله استبعاد منكم كما أنكم مقرون بسهولته لو عقلتم، أما من جهة القدرة فلأن الابتداء أصعب من الإعادة وأنتم مقرون بالابتداء ولأن الاستبعاد إن كان من جهة وقوع الظن بأن من صار تراباً يصير عوده محالاً من جهة تعذر تمييز ترابه من تراب غيره، فتمييز النازع والناشط من الملائكة للروح من الجسد أصعب من ذلك بكثير، وكذا غير هذا مما تدبره الملائكة من الأمور، فكيف يصعب على ربهم سبحانه شيء يسهل مثله عليهم، وأما من جهة العوائد فإن أحدًّا لا يدع رعية له بغير حساب أصلاً، وأما من جهة الوعد فقد تقدم به، وليس من شيم الكرام فضلاً عن الملوك إخلاف الوعد ولا إقرار الظلم فلا تكذبوا بها ولا تستصعبوها، قال مسبباً عن هذا المقدر مهدداً لأصحاب الشبهة المقلدين: {فإنما هي} أي القيامة {زجرة} أي صيحة بانتهار تتضمن الأمر بالقيام والسوق إلى المحشر والمنع من التخلف {واحدة} عبر بالزجر وهو أشد من النهي لأنه يكون للعرض لأنها صيحة لا يتخلف عنها القيام أصلاً، فكان كأن لسان الحال قال عن تلك الصيحة: أيها الأجساد البالية! انتهي عن الرقاد، وقومي إلى الميعاد، بما حكمنا به من المعاد، فقد انتهى زمان الحصاد، وآن أوان الاجتناء لما قدم من الزاد، فيا ويل من ليس له زاد! {فإذا هم} أي فتسبب عن هذه النفخة- وهي الثانية- أنهم فاجؤوا بغاية السرعة كونهم أحياء قائمين {بالساهرة} أي على ظهر الأرض البيضاء المستوية الواسعة التي يجددها الله للجزاء فتكون سعتها كأنها قد ابتلعتهم على كثرتهم التي تفوت العد، وتزيد على الحد، سميت بذلك لأن الشراب يجري فيها من الساهرة وهي العين الجارية، أو لأن سالكها يسهر خوفاً كما أن النوم يكون آمنة، أو لأن هذه الأرض بالخصوص لا نوم فيها مع طول الوقوف وتقلب الصروف الموجبة للحتوف. اهـ.